بعد مسيرة قانونية طويلة مليئة بالدفاع عن القضية الفلسطينية منذ عام 2009،غاب المحامي الفرنسي البارز جيل دوفير، يوم أمس الثلاثاء، حيث وافته المنية بعد معاناة طويلة مع المرض.
ونعت المقاومة الفلسطينية جيل دوفير نصير الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
ولد دوفير في عام 1956،ونال شهادة الدكتورة في الحقوق وانتسب الى سلك المحاماة في نقابة المحامين بمدينة ليون الفرنسية،وهو ممرض سابق، ومحاضر في كلية الحقوق بجامعة “ليون 3”.
دوفير كان شخصية محورية في محاكمة مرتكبي الجرائم ضد الفلسطينيين، وعُرف بمرافعاته الحازمة التي وصفت جرائم الصهاينة بالإبادة الجماعية، استنادًا إلى معايير القانون الدولي.
ومعروف بجهوده القانونية في تقديم الأدلة ضد الكيان الصهيوني في المحكمة الجنائية الدولية.
وقضى سنوات من حياته في جمع الأدلة حول الانتهاكات المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني، مشددًا على أن أفعال الاحتلال، مثل الحصار والتجويع وتهجير السكان، تشكل جريمة إبادة جماعية.
ويعتبر دوفير “المايسترو” رجل القانون الذي قاد مبادرات قانونية مهمة لإثبات مسؤولية القادة الصهاينة،ووقف وراء الدعوة لإصدار مذكرات اعتقال دولية التي أصدرتها المحكمة بطلب من المدعي العام كريم خان، منذ ماي الماضي، ضد القادة الصهاينة بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
كما كان الراحل أحد المتحدثين باسم مجموعة مكونة من 350 منظمة غير حكومية، يمثلها 40 محاميا يتولون مسؤولية التعامل مع طلب العدالة المقدم إلى المحكمة الجنائية الدولية، بشأن جرائم الحرب التي ارتكبت خلال حرب غزة بين عامي 2008 و2009، كما تم تكليفه من قبل السلطة الفلسطينية لتقديم شكوى نيابة عنها في يناير 2009.كما قدم شكوى ضد الصهاينة في يوليوز 2014 بشأن الحرب على غزة بالعام نفسه، وهو ما أدى إلى تحرك إعلامي كبير وخلق ضغوطا على السلطة الفلسطينية ومحكمة العدل الدولية، نتج عنه انضمام فلسطين إلى نظام روما الأساسي، ووافقت الجنائية الدولية على فتح فحص أولي للحقائق التي جرت اعتبارا من يونيو 2014.
بدأ الراحل العمل على مذكرات الاعتقال منذ عام 2009، لكنه تحرك بشكل مكثف وبأسلوب مختلف على هذا الملف بعد أحداث السابع من أكتوبر 2023.وهو الذي قاد الجيش القانوني المؤلف من جمعيات حقوقية وأكثر من 500 محامٍ من كل أنحاء العالم إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي،ويعتبر دينامو الفريق القانوني حيث كتب مذكرات من مئات الصفحات عن القضية،ومارس الضغط على أعضاء الفريق لجمع الأدلة،وعمل على تنسيق الأدوار فيما بينهم رغم كل المشاكل الصحية التي كان يعاني منها آنذاك.
بكى جيل دوفير على باب المحكمة الجنائية الدولية عندما اعتذرت محامية فلسطينية عن الحضور، لأن كل أفراد عائلتها قُتلت في ليلة التاسع من نونبر 2023، عندما ذهب لتقديم الدعوى في المحكمة، والتي كانت المحرك الرئيسي لصدور مذكرات الاعتقال،وهدفت هذه المذكرات التاريخية إلى تأكيد اختصاص محكمة الجنائية الدولية، حيث أصدرت قرارا يؤكد ولايتها القضائية على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، بما فيها شرقي القدس والضفة الغربية وقطاع غزة.
كانت مذكرات التوقيف التي صدرت بحق نتنياهو وغالانت بمثابة الهدية التي سعى إليها لأكثر من 15 عاما، حيث رحل بضمير مرتاح، وسيكمل المعركة القانونية بروح جيل دوفير فريقه لتنفيذ إرادته ووصيته، لأن العمل الحقيقي والأصعب بدأ فعليا بعد إصدار هذه المذكرات.
وفي يوم صدور المذكرات الذي اعتبره عيدا سعى لتحقيقه منذ سنوات، قال لابنه “الآن يمكنني أن أموت وأنا مرتاح”، ورغم ألم المرض الذي لم يفارقه حتى الرمق الأخير، أصرّ على التحدث عن هذا الانتصار القانوني الاستثنائي لوسائل الإعلام،
على مدى مسيرة طويلة امتدت ل30 عاما، قسّم دوفير نشاطه بين القطاع الصحي والاجتماعي والدفاع عن الأقليات في فرنسا والعالم، لكن القضية الفلسطينية كانت أولى أولوياته.قبل إجراء دوفير لأخطر عملية في المستشفى بساعات وهو بين الحياة والموت، كان ملف حي الشيخ جراح في القدس الشرقية آخر ما تحدث عنه.وبدعوة من سفيرة فلسطين في فرنسا، سافر دوفير من ليون إلى باريس للاجتماع بهيئة الأسرى، بهدف إدخال ملف الأسرى الفلسطينيين إلى محكمة الجنايات الدولية، رغم حصوله على رخصة المرض التي تستوجب عليه عدم السفر أو التحرك.
وبدلك تكون القضية الفلسطينية والإنسانية قد فقدت أحد رجالاتها العظام، المحامي الذي يدافع عنها أمام المحاكم الدولية،خاصة محكمة الجنايات الدولية،
غادرنا الى دار البقاء بعد أن نال ما سعى وراءه لأزيد من 15 سنة وهو ملاحقة مجرمي الحرب الصهاينة أمام المحاكم الدولية،والتي توجت بإصدار مذكرات التوقيف من طرف محكمة الجنايات الدولية.
كان الفقيد صادقا في نضالاته ووفيا لمبادئه وترك وراءه إرثا نضاليا و حقوقيا لن ينسى،فهو محامي قانون دولي، وكان أحد أكبر وأهم المدافعين عن القضية الفلسطينية في المحاكم الدولية.دوفير انتصر للقضية الفلسطينية قبل إصدار مذكرات الاعتقال،أي منذ أن أصبحت فلسطين عضوا في نظام روما،وعند صدور مذكرات الخامس من فبراير 2021، حيث كان يراجع ويساعد خبراء الجنائية الدولية في صياغتها،ورغم العقبات التي واجهت الفريق القانوني، ورفض الطلبات التي تقدم بها في ملف الجنائية الدولية، فإن دوفير تميز بإصراره في الاستمرار وعدم الاستسلام، لاعتباره أن "نخوة الشعب الفلسطيني أهم من نخوة المحامي
كان يرحب بالاختلاف في الآراء بصدر رحب،وبوفاته فقدنا قامة قانونية وحقوقية لا تقدر بثمن. دوفير المحامي الإنسان وصاحب المبادئ الذي كرس حياته للدفاع عن القضايا الإنسانية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.على مدى 30 عاما، قسّم جيل دوفير نشاطه بين القطاع الصحي والاجتماعي والدفاع عن الأقليات في فرنسا والعالم، لكن القضية الفلسطينية كانت أولى أولوياته.اش إنسانا ومحاميا من أجل المبادئ ومن أجل القضايا العادلة عموما وعلى رأسها القضية الفلسطينية حيث كان يسعى لإصدار مذكرات اعتقال ضد مجرمي الحرب في أي مكان،في 2009 كان أول من أدخل القضية الفلسطينية الى محكمة الجنايات الدولية وقد ساهم مع محاميين أخرين عبر العالم لاستصدار مذكرات الاعتقال أمام محكمة الجنايات الدولية ضد كبار المجرمين الصهاينة لأول مرة في تاريخ الكيان اللقطاء.
دوفير كان نصيرًا حقيقيًا للشعوب المظلومة، وعلى رأسها الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.ومواقفه الشجاعة، خاصة بعد العدوان الصهيوني على غزة في أكتوبر 2023، ستظل حاضرة في ذاكرة الشعب الفلسطيني.ونظرا لأهمية التمسك بإرث دوفير،سيسعى الفريق القانوني وأصدقاء الفقيد وكل أحرار العالم العمل بدأب لتحقيق حلمه برؤية الشعب الفلسطيني يتمتع بدولته المستقلة وعاصمتها القدس،وتنفيد حق عودة اللاجئين إلى أرضهم…
لروحه الرحمة والسكينة…
عبد المجيد مصدق